رئيس علماء سريلانكا يؤكد الالتزام الكامل لخدمة هذه البلاد

أكد رئيس جمعية علماء سريلانكا (ACJU) فضيلة المفتي محمد رضوي بن محمد إبراهيم التزام الجمعية التام بخدمة هذه البلاد بصفتها “بلاد متعددة الأعراق والأديان” من خلال العمل على تعزيز وحدتها وتماسكها، وحماية مصالحها وأمنها القومي، ونشر ثقافة التعايش السلمي بين الطوائف، وتوفير فرص التعليم للجميع، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
جاء ذلك خلال المراسم الرسمية التي أقيمت للاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس الجمعية، يوم الخميس الموافق 19 يناير 2023م، في قاعة باندارانايكا التذكارية للمؤتمرات الدولية (BMICH) بالعاصمة كولومبو.
وحضر الاحتفال الذي أقيمت برئاسة المفتي رضوي القيادات الدينية التي تمثل جميع الأديان المحلية والعديد من كبار المسؤولين في الحكومة السريلانكية بمن فيهم فخامة الرئيس “رانيل ويكراماسينغها” ورئيس الوزراء “دينيش غوناواردانا”، ورئيس البرلمان “ماهيندايابا أبيواردانا”، ووزير الشؤون الخارجية “علي صبري” بالإضافة إلى الدبلوماسيين والقادة الأمنيين والشخصيات الإعلامية والاجتماعية والأكاديمية.
الوطن الأم
في معرض حديثه وصف المفتي رضوي بأن سريلانكا وطننا الأم الذي يضم الأعراق والأديان المتعددة، حيث يكمن تقدمها وازدهارها على تحقق التناغم بين جميع مكونات المجتمع التي تضم الفصائل البوذية والهندوسية والمسيحية والإسلامية، مشيراً إلى أن تاريخ هذه البلاد يدل على أن جميعهم حافظوا على علاقاتهم الطيبة منذ قرون.
وأوضح المفتي رضوي بأن قبول الآخر وتبادل التسامح والمحبة والاحترام فيما بينهم رغم اختلاف معتقداتهم، تعد من العوامل التي تساهم على تقليل الصراعات الطائفية لأي أمة ناجحة، مشدداً على ضرورة تحمل كل مواطن يحب وطنه الأم على عاتقه مسؤولية الانخراط بجهود تقوية العلاقات بين مكونات المجتمع بغض النظر عن المعتقد أو العرق أو الدين.
جمعية العلماء
أشار المفتي رضوي إلى أن جمعية علماء سريلانكا، تم إنشاؤها على أيدي نخبة من الأساتذة الأجلاء من كلية البهجة الإبراهيمية العربية، ومنذ ذلك الحين تحملت على عاتقها مهمة تقديم التوجيهات التربوية في المجال الروحي والأخلاقي لكافة المسلمين في البلاد، مضيفاً أن هذه الجمعية التزمت بتقديم مساهماتها في تطوير الجوانب التعليمية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع والبلاد، مع الحفاظ على مكانتها باعتبارها هيئة دينية غير سياسية، بما يتوافق مع قوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ [سورة النحل : 125:].
وذكر أنه يغتنم هذه الفرصة التي تتزامن مع الاحتفال بمرور 100 عام على إنشاء هذه الجمعية للفت الأنظار إلى المساهمات المهمة التي قدمتها نحو التعايش والتعليم للجميع والأمن القومي والتنمية المستدامة.
التعايش
قرأ قوله تعالى ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ ثم تابع حديثه “فيما يتعلق بالتعايش، فقد ساهم مسلمو هذا البلد باستمرار وبإخلاص في جهود بناء الانسجام بين جميع المجموعات العرقية على مدى العقود الماضية. وهذا ما شهدته المؤرخة الراحلة الدكتورة لورنا ديفاراجا في كتابها “مسلمو سريلانكا – ألف عام من الانسجام العرقي”.
ولفت إلى أن أول دستور في التاريخ فيما يتعلق بالحقوق الدينية تم تمريره من قبل نبينا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، الأمر الذي دفع الجمعية على إيلاء الأهمية القصوى بالعمل مع الحكومة وقادتها رغم اختلاف أديانهم في إدارة الفضاء الديني وتبني سياسة الاعتدال والتسامح والتعايش.
وذكر أنه “في ظل ما تواجهه دول العالم من تحديات شتى، ازدادت الحاجة في الآونة الأخيرة إلى المبادرات التي تبني جسور الترابط بين أفراد المجتمع السريلانكي. وبناءً على ذلك، أصبح العمل مع القادة الذين يعملون من أجل مصلحة البلاد بتفانٍ أولوية قصوى بالنسبة للجمعية”، مضيفاً أن نجاح البشرية وازدهارها يعتمدان بشكل كبير على تقوية الأخلاق الفاضة الحسنة، وإعلاء شأن الإنسانية والأخوة.
وأوضح بأنه بناءً على تعاليم القرآن الكريم وسنة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، هناك أربع مراحل للحفاظ على التعايش داخل المجتمع، وهي كالتالي:
• التعارف المتبادل بين الطوائف.
• بناء تفاهم أفضل فيما بينهم.
• التسامح المتبادل فيما بينهم.
• تبادل الدعم والتعاون في الأمور المسموحة.
وذكر أن الجمعية تعهدت ببناء مراكز الانسجام والمكتبات داخل المساجد والمدارس والمنظمات الإسلامية العاملة، والتي تهدف إلى استعادة التفاهم بين مكونات المجتمع، على غرار الممارسة السنغافورية، مضيفاً أن الجمعية تمكنت من نشر ثقافة التعايش بين المجتمع المحلي من خلال إصدار سلسلة من الكتب المتعلقة بالتعايش السلمي والحوار المجتمعي، بالإضافة إلى جولات تعليمية تقوم بها تحت شعار “دعونا نحمي تراثنا الوطني” مما عززت الروابط القوية داخل مكونات المجتمع.
التعليم للجميع
مستدلاً بقوله تعالى ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: 1]، أكد الأهمية التي يوليها الإسلام في التربية والتعليم، ومسؤولية أولياء الأمور في تربية وتعليم أبنائهم.
وأضاف أنه بناء على ذلك، تهتم الجمعية بتوجيه شباب هذه البلاد لكي يصبحوا أصولا تفتخر بها، وتحمي سمعتها في جميع أنحاء العالم كمواطنين صادقين، يتمتعون بالمحبة والاحترام والكرامة.
وأوضح أن الجمعية، أجرت، تحت شعار “التعليم للجميع”، برامج تربوية وأكاديمية عديدة، وقدمت المساعدات الممكنة للطلاب المحرومين مع تسهيل مرافق البنية التحتية الأساسية من أجل خلق بيئة تعليمية فعالة.
ولفت إلى أن ما يقرب من 38000 طالب من 40 مدرسة استفادوا من هذا البرنامج في جميع أنحاء البلاد، على مدى السنوات القليلة الماضية، بالإضافة إلى برنامج ما بعد المدرسة تم إجراءه وفقاً للمناهج التي قررتها دائرة الشؤون الدينية والثقافية الإسلامية.
الأمن القومي
أكد أن الرسالة الإلهية تدعو إلى حماية الأمن القومي، مستدلاً بقوله تعالى: ﴿الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ﴾ [سورة قريش: 4]، مضيفاً أن إحياء نفس واحدة فكان بمثابة إحياء البشرية جمعاء.
وأشار إلى أن العديد من المنظمات الدينية والاجتماعية والحركات والمؤسسات السياسية اضطرت في السنوات الأخيرة، إلى أن تتعامل مع أشكال مختلفة من العنف والتطرف، حيث لجأ الأفراد إلى التذرع بذرائع دينية أو الظلم الاجتماعي أو الفساد لتبرير ممارساتهم العنيفة، مما دفعت بالجمعية على أخذ مسؤولية مساعدة المواطنين في التغلب على هذه الاضطرابات العقلية والنفسية والعاطفية، بالتعاون مع أهل الاختصاص المتطوعون.
وذكر “على مدى ستة عقود، ضحى أبطال الحرب بأنفسهم من أجل حماية سيادة هذا الوطن، بينما ساهم جميع المواطنين محبي الوطن، بغض النظر عن اختلافاتهم العرقية أو الدينية، بكل الوسائل الممكنة في دعم هذه القضية الوطنية. كما أن المسلمين لعبوا دورًا حيويًا في منطقة موتور عام 2006م، في القضاء على الإرهابيين من خلال تعاونهم مع قوات الأمن أثناء الحرب.
وتعد الجمعية من أوائل الهيئات في العالم التي أصدرت إعلانًا مشتركًا ضد داعش والتطرف في عام 2015م. كما أنها شاركت في جهود كبيرة في برامج مكافحة عقلية التطرف لدى الشباب، مثل نشر كتيب “لا تكن شديدًا”، وترجمة القرآن الكريم باللغة السنهالية وكتيبات توضح المفاهيم الخاطئة عن التعاليم الإسلامية من أجل إعطاء الفهم الصحيح للمواطنين.
وأعلنت الجمعية كذلك موقفها بشأن تفعيل الوسطية والاعتدال للإسلام، ليتخذ منه مسلمو سريلانكا نهجًا وأصلًا في شؤونهم الدينية من خلال إصدار “المنهج” الذي هو عبارة عن مبادئ توجيهية تهدف إلى بناء مجتمع نموذجي يحافظ على التماسك الاجتماعي، والذي يتعامل مع المسائل الدينية بشكل معتدل، بناء على توجيهات من العلماء، مع احترام اختلاف الآراء، والحفاظ على التعايش السلمي مع الطوائف الأخرى، ليساهم بذلك تجاه بناء الوطن.
التنمية المستدامة
وفيما يتعلق بالتنمية المستدامة، أكد أن الإسلام أوجب التعاون ورغبه فيه حيث إن “جميع المخلوقات تنتمي إلى عائلة واحدة ”، وإن إظهار اللطف والرأفة للمخلوقات يجلب الرحمة الإلهية، كما ورد أن “خير الناس أنفعهم للناس”. قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾.
وأشار إلى أن الجمعية قامت بتسهيل المساعدات الإنسانية خلال الكوارث والأزمات مثل كارثة تسونامي والفيضانات الأخيرة، وأثناء الحرب في موتور في عام 2006م، وهجمات عيد الفصح الإرهابية، كما لعبت دورًا حيويًا في التعاون مع السلطات ذات الصلة وتقديم الدعم الممكن عند الضرورة خلال جائحة كورونا.
وذكر أن الجمعية، في عام 2002م، بدأت عملية إصدار شهادات الحلال لموردي اللحوم بناءً على طلب البرلمان السريلانكي. وبعد فترة من الزمن، ساهمت هذه العملية في تحويل ملايين الدولارات من عائدات التصدير إلى البلاد.
وأخيرًا، اغتنم المفتي محمد رضوي هذه الفرصة لتقديم الشكر والعرفان للقيادات الدينية، وفخامة الرئيس، ورئيس الوزراء، ورئيس البرلمان، والسفراء والمبعوثين الأجانب وأعضاء البرلمان والمدعوين الكرام، على دورهم لإنجاح هذا الحدث، راجيا من الله تعالى أن يحفظ هذه البلاد وأن ينعمها بمزيد من التقدم والازدهار والاستقرار.






