الوجه المرعب للاستعمار الجديد: شركاء وبيادق في الشرق الأوسط

الوجه المرعب للاستعمار الجديد: شركاء وبيادق في الشرق الأوسط

بقلم د. مسيح الدين إنعام الله
خبير سياسي/ سريلانكا

يُعاد تشكيل الشرق الأوسط من جديد كساحة شطرنج في لعبة جيوسياسية خطيرة — لكن هذه المرة تغيّرت القطع، وتبدّلت قواعد اللعب. فموجة التصعيدات الأخيرة، والتحالفات المريبة، والتوترات المتزايدة، لا تعبّر فقط عن خلافات إقليمية، بل تكشف عن ملامح نظام استعماري جديد، يُهدد ليس فقط أمن المنطقة، بل سيادة بعض أغنى دول العالم.

في صميم هذا الاضطراب الجيوسياسي، تكمن محاولة مدروسة لجرّ دول الخليج العربي إلى مواجهة مباشرة مع إيران. هذه ليست حرباً من أجل الدفاع الحقيقي عن النفس، ولا نتيجة خلافات طبيعية بين الجيران. بل هي أجندة ممنهجة، تُدار بخبث، هدفها زرع العداء بين الدول الإسلامية، بينما تبقى القوى الخارجية هي المتحكم الخفي في المشهد.

إيران، على عكس العراق في أوائل الألفية، لا تبدو اليوم كبيادق تُستخدم وتُرمى، بل تلعب دوراً أكثر دهاءً وتعقيداً. قد لا تكون مجرد ضحية للتحريض، بل ربما طرفًا شريكًا — أو على الأقل طرفًا واعيًا لدوره في لعبة أكبر وأخطر. إن موقع إيران الحالي لا يعكس استهدافاً بسيطاً، بل انخراطاً استراتيجياً قد يخدم أجندات أوسع نطاقًا.

لكن المأساة الحقيقية تكمن في أن الضحايا الجدد قد يكونون هذه المرة من بين الدول الغنية بالطاقة والنفوذ. تلك الدول التي أنفقت أكثر من ٥ تريليونات دولار خلال العقدين الماضيين لبناء مدن حديثة، وتطوير البنية التحتية، وتنويع الاقتصاد، قد تجد نفسها اليوم تُستنزف ببطء — لا بالصواريخ، بل بتآكل السيادة وتفكك التماسك الإقليمي.

هذا الاستعمار الجديد لا يأتي هذه المرة بالدبابات ولا برفع الأعلام فوق العواصم المحتلة. بل يأتي متخفيًا في شكل شراكات اقتصادية، واتفاقيات أمنية، وصفقات تسليح، وخطابات عن المصالح المشتركة. ولكن النتيجة النهائية واحدة: تقليص الاستقلال، وزيادة التبعية، وتعميق الانقسامات الداخلية.

إن معادلة الاستعمار الكلاسيكية — فرق، أضعف، سيطر — تعود اليوم في ثوب حديث. أدواتها باتت رقمية ومالية ودبلوماسية، لكن نواياها لم تتغيّر.

وفي ظل هذا المشهد، لا بد من أن نطرح الأسئلة الجوهرية: لمن هذه الحرب؟ ولمصلحة من يُدفع هذا الثمن؟ وما الذي نضحي به تحت شعار الأمن والتضامن؟

لقد علمنا التاريخ أن من يقبل أن يكون أداة بيد الآخرين، غالبًا ما يُستنزف أولًا، ثم يُلقى عليه اللوم لاحقًا.

حسبُنا الله ونعم الوكيل.

شبكة سيلان الإخبارية

أول موقع عربي مستقل من جمهورية سريلانكا ويهتم بنشر ما هو جديد ومفيد على مدار الساعة من أخبار سريلانكا والمالديف ودول جنوب آسيا والعالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *