ذكريات الداعية السريلانكي الشهير الشيخ نياس محمد رحمه الله
في مثل هذا اليوم، الرابع من يوليو عام 2010، ودّع العالم الداعية السريلانكي البارز الشيخ نياس محمد بن شمس الدين رحمه الله، مؤسس الكلية الإحسانية العربية في كولومبو عاصمة سريلانكا، عن عمرٍ ناهز 57 عامًا. وترك وراءه إرثًا علميًا وروحيًا وإنسانيًا خالدًا، يظل حيًا في ذاكرة مجتمعه وعبر الأجيال، إذ كان رمزًا للتربية، والنصح، والإصلاح.
مسيرة حياة حافلة بالعطاء
تولى الشيخ نياس محمد إدارة الكلية الإحسانية العربية منذ تأسيسها، حيث كان له الدور الأكبر في بناء مؤسسة تعليمية رائدة تقدم العلوم الشرعية وتعليم اللغة العربية. وتمكن خلال مسيرته من تعزيز مكانة الكلية في الساحة الإسلامية بسريلانكا، وكان يتميز ببلاغة فائقة في الإلقاء وقدرة متميزة على التأثير في مستمعيه بكلمات صادقة وعميقة. وقد رافقه في هذه المسيرة نخبة من كبار العلماء والمربين في البلاد، وشارك بنشاط في العديد من الفعاليات الدعوية والاجتماعية.
دوره المجتمعي وتأثيره
جسد الشيخ نياس محمد نموذجًا فريدًا من الإخلاص والتفاني في خدمة المجتمع، متجاوزًا الفوارق العرقية والدينية، مكرسًا حياته لتعزيز قيم الوحدة الوطنية والعدالة الاجتماعية. وكان حضوره دائمًا واضحًا ومؤثرًا في الفعاليات الدينية والاجتماعية، محاطًا بتقدير واحترام واسع من مختلف شرائح المجتمع، وهو ما انعكس جليًا في الحشود الغفيرة التي شاركت في تشييعه.
وكان الراحل قدوة في حسن التعامل مع الجميع، ونموذجًا في تعزيز مبادئ التسامح والتعايش السلمي، مما أكسبه احترام قادة المجتمع ورجال الدين. كما ظل متابعًا مستمرًا لقضايا وهموم الناس، ليكون صوتًا مسموعًا يعكس تطلعات المجتمع ويعمل على تحقيق مصالحه، وهو ما جعل جنازته مناسبة وطنية استذكر فيها الجميع محبته وإجلاله.
إرثه العلمي والإنساني المستمر
كان للشيخ نياس محمد دور ريادي في تأسيس وتعزيز مؤسسات مجتمع مدني متعددة تركت بصمة واضحة في ميادين العمل الخيري والتنمية الاجتماعية، ليخلد بذلك إرثًا علميًا وإنسانيًا مستدامًا.
ومن أبرز هذه المؤسسات:
- الكلية الإحسانية العربية: التي تواصل تقديم تعليم إسلامي متميز وتعليم اللغة العربية، محافظة على المنهج التربوي الذي أسسه الشيخ نياس، والذي يجمع بين الأصالة والمعاصرة، بهدف تخريج أجيال واعية علميًا وروحيًا.
- مؤسسة الدكتور نياس مولوي: التي تكرّس جهودها لتعزيز رفاهية المجتمع من خلال دعم المبادرات التعليمية، وتنمية القدرات الاقتصادية، وتوفير فرص التدريب المهني، لتكون منصة تنموية شاملة ترفع مستوى معيشة الأفراد وتمكّنهم اقتصاديًا واجتماعيًا.
ويمثل هذان الصرحان استمرارًا لمسيرة الشيخ نياس محمد، ومنبرين حيويين لخدمة المجتمع وإدامة عطائه، مما يضمن بقاء أثره ومساهمته عبر الأجيال القادمة.
الدعاء والذكرى
نسأل الله تعالى أن يتغمد الشيخ نياس محمد بواسع رحمته، وأن يجعل قبره روضةً من رياض الجنة، وأن يجزيه خير الجزاء على ما قدمه من علم وعمل صالح، وأن يجعل ما تركه من علم وخير صدقةً جاريةً تنفعه يوم القيامة.
“اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلاً خيرًا من أهله وزوجًا خيرًا من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار.”
بقلم الشيخ الدكتور/ محمد مخدوم بن عبد الجبار

